اضطر زكريا المصري إلى المخاطرة بحياته واختراق نظام منع التجول الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة نابلس منذ 6 أيام ليبحث عن طعام لأطفاله الخمسة بعد أن خلا منزله تماما من الغذاء وبكى الصغار جوعا.
ويروي زكريا -40 عاما- لشبكة "إسلام أون لاين.نت" السبت 20-7-2002 قصة تمكنه من كسر الحصار والتخفي من نيران جنود الاحتلال والدبابات الإسرائيلية قائلا: "إن كل الطعام الموجود في بيتي نفد، ولم يبق ما يقتات به أطفالي الذين هم بحاجة ماسة للحليب والغذاء الملائم مثل بقية أطفال العالم".
وأضاف: "عندما سمعت أن أحد الأشخاص قام بتحويل غرفة من منزله لبقالة ليساعد الفلسطينيين بعد أن أغلق الحصار كافة المحلات؛ قررت الذهاب إليه مهما كان الثمن".
وتابع زكريا: "لقد استعنت لعدة أيام بالمساعدات التي كان الجيران يقدمونها لي من خبز وأرز، ولكن الخجل كان يملؤني؛ فقررت أن أخوض المغامرة".
ويروي زكريا: "خرجت من بيتي بمنطقة خلة العامود بالقرب من مقر المحافظة، ومررت عبر الأزقة والشوارع الضيقة ومن خلال بعض المنازل متخفيا كاللصوص؛ خوفا من الجنود الذين ينتشرون في كل مكان ويطلقون الرصاص على كل ما يتحرك أمامهم، حتى وصلت في النهاية بعد معاناة إلى منزل البقال، واشتريت بعض ما أحتاج، ثم سلكت الطريق نفسه أثناء العودة ".
ويتابع زكريا: "تعرضت للموت أكثر من مرة، وخاصة عندما قامت الدبابة المتمركزة على جبل جرزيم بإطلاق النار بصورة عشوائية على منازلنا".
وتعاني مدينة نابلس من نقص حاد في المواد الغذائية والتموينية، بسبب منع التجول المفروض عليها منذ شهر كامل، ولم يتم رفعه إلا 5 مرات خلال الشهر ولساعات قليلة.
الباعة ضد الحصار
من ناحية أخرى استطاع عدد من الباعة الجائلين كسر الحصار الإسرائيلي. ويقول البائع أبو سائد: "تمكنت من الخروج من قريتي بورين والوصول إلى بعض أحياء مدينة نابلس بسيارتي الخاصة لبيع اللبن عبر الطرق الترابية والجبلية".
وأضاف أبو سائد: "إن حاجتي إلى المال كي أطعم أفراد عائلتي دفعتني إلى المخاطرة بنفسي، وكذلك كي يتمكن المواطنون المحاصرون من ابتياع اللبن لأطفالهم بعد أن أغلقت كافة المتاجر".
وتعرض أبو سائد للمخاطر عدة مرات، كان آخرها عندما أوقفته إحدى الدوريات الإسرائيلية وقام جنود الاحتلال بتفيشه بعد أن أوقفوه لعدة ساعات، ولم يتركوه إلا بعد أن تأكدوا من أنه لا يشكل خطرا عليهم.
وجبة واحدة
من جهة أخرى تضطر الكثير من العائلات الفلسطينية إلى اتباع عدة أساليب لتدبر أحوالها وقضاء حاجاتها، وتقول "أم مصعب النمر" وهي أم لستة أطفال من سكان مدينة نابلس: "لقد طلبت من زوجي شراء كيس طحين وعُدّة عجين حتى أستطيع صنع خبز بنفسي بعد أن أغلقت المطاحن أبوابها .. بل ووضعتُ نظاما جديدا للطعام بحيث لا نتناول في اليوم إلا وجبة واحدة لتوفير أكبر قدر ممكن من الأطعمة".
وأشارت أم مصعب إلى أن العديد من ربات المنازل اضطررن إلى استخدام أسلوب تجفيف الطعام عن طريق وضعه تحت أشعة الشمس بعد تغطيته.
المعلبات وأهل الخير
كما أجبرت الظروف الصعبة العديد من العائلات الأخرى على الاعتماد على أغذية المعلبات. وبعض العائلات الأخرى اعتمدت على الجمعيات الخيرية.
ويقول "أبو إبراهيم" الذي كان يعمل داخل الخط الأخضر قبل الانتفاضة: "لقد ساءت أحوالي الاقتصادية بعد أن منعتني قوات الاحتلال من وظيفتي، وأصبحت أعتمد بصورة كبيرة على المعونات التي تأتي إلينا من الجمعيات وأهل الخير".
نقص الأدوية
وبجوار ندرة الغذاء يعاني الفلسطينيون تحت الحصار من نقص شديد في الدواء.
وبالنسبة للحاجة أم خليل عودة -65 عاما- فقد طلبت من أبنائها تخزين المواد التموينية؛ تحسبا لفرض حظر التجول، لكنها نسيت شراء كمية من دواء علاج ارتفاع ضغط الدم والقلب اللذين تعاني منهما.
وقد عانت أم خليل من عدة أزمات مرضية نتيجة عدم تناولها الدواء، فالصيدليات والعيادات الطبية مغلقة، وتروي الحاجة أم خليل أنه عندما استدعى أبناؤها سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر منع جنود الاحتلال سيارة الإسعاف من الوصول.. وحتى الآن لا تزال أم خليل تعاني آلام المرض.